فقوله: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام: 103] نفيٌ للرؤية فيما يستقبل، و (لن تراني) تأكيد وبيان؛ لأنّ المنفي منافٍ لصفاته.

فإن قلت: كيف اتصل الاستدراك في قوله: (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) بما قَبْلَه؟ قلتُ: اتصل به على معنى أنّ النظر إليّ محال فلا تطلبه، ولكن عليك بنظرٍ آخر، وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلبت الرؤية لأجلهم، كيف أفعل به وكيف أجعله دكاً بسبب طلبك الرؤية؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال الإمام: " (لن تراني): يدل على أنه تعالى جائز الرؤية، إذ لو كان مستحيل الرؤية: لقال: "لا أرى"، ألا ترى أنه لو كان مع إنسانٍ حجر، وقال صاحبه: ناولني هذا لأكله، فإنه يقول: هذا لا يؤكل. ولو قال: لن تأكل، لم يصح. ولو كان معه مما يؤكل، فقال: هذا لا يؤكل، لم يصح. ولو قال: لن تأكل، علم أنه مما يؤكل، ولكنك لا تأكله".

وقال القاضي: "والاستدلال بالجواب على استحالتها أشد خطأ، إذ لا يدل الإخبار عن عدم رؤيته إياه، على ألا يراه أبداً، وألا يراه غيره أصلاً، فضلاً عن أن يدل على استحالتها. ودعوى الضرورة فيه مكابرة".

قوله: (وبيان، لأن المنفي منافٍ). اللام صلة "بيان" لا تعليل.

قوله: (اتصل به على معنى أن النظر إلى محال، فلا تطلبه): قال صاحب "الفرائد": إن الاستدراك بالمعنى الذي ذكره لا يناسب هذا المقام، ولو كان المراد به استحالة الرؤية، وجب أن يذكر شيئاً يدل على الاستحالة. ودك الجبل كما يصلح لما ذكر يصلح لغيره، والمشترك لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015