. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإليه الإشارة بقوله: " (فإذا جاءتهم الحسنة): من الخصب والرخاء"، فإن بعضاً منها واقع دائماً لا ينقطع، وهو المراد بقوله: "وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه"، وهذا ملائم للمقام، لإمكان حمله على الفرد الذي هو حاصل، وعلى الذي يتوقع حصوله، وعلى الذي انعدم. ومن ثم لم يجز حمل التعريف على العهد الخارجي لتعين وتخصصه، فلا يكون مقطوعاً حصوله إذا زال، ولا على الجنس من حيث هو هو، فإن الحقيقة إذا أريد بها شيء بعينه مجازاً، حمل على المبالغة والكمال فيها.
والمقام لا يقتضي ذلك، وهو المعنى بقول صاحب "المفتاح": "لكون الحسنة المطلقة مقطوعاً بها كثرة وقوع واتساعاً. ولذلك عرف ذهاباً إلى كونها معهودة، أو تعريف جنس، والأول أقضى لحق البلاغة"، أي: المعهود الذهني أدعى لاقتضاء المقام من تعريف الحقيقة.
هذا هو التوفيق بين كلام الشيخين، وإن دل الظاهر على التنافي.
فإن قلت: إذا أريد بتعريف الجنس العهد الذهني الشائع، فأي فرقٍ بين الحسنة المعرفة والسيئة المنكرة في الآية، لأن مثل هذا التعريف لا توقيت فيه، وقد فرقت بينهما؟
قلت: الفرق بين تعريف الحقيقة وبين مدلول الاسم الموضوع لها، أن الاسم لها لا لتعينها، واللام لتعينها. فالتعين إذاً بحسب الذهن، والذيوع بحسب الوجود، فيفيد التعريف الذهني الاعتناء بشأن الحقيقة بوجهٍ من الوجوه، إما لأنها عظيمة الخط، أو الحاجة إليها ماسة، أو أن أسباباً بشأنها متأخرة، فهو لذلك بمنزلة المعهود الحاضر، بخلاف النكرة، فإنها غير ملتفتٍ إليها، ولا يقصد بها إلا الابتداء.