وأمّا السيئة فلا تقع إلا في الندرة، ولا يقع إلا شيء منها. ومنه قول بعضهم: قد عددت أيام البلاء، فهل عددت أيام الرخاء؟ (طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ) أي: سبب خيرهم وشرهم عند الله، وهو حكمه ومشيئته، والله هو الذي يشاء ما يصيبهم من الحسنة والسيئة، وليس شؤم أحدٍ ولا يمنه بسببٍ فيه، كقوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) [النساء: 78].

ويجوز أن يكون معناه: ألا إنما سبب شؤمهم عند الله وهو عملهم المكتوب عنده الذي يجرى عليهم ما يسوءهم لأجله، ويعاقبون له بعد موتهم بما وعدهم الله في قوله سبحانه: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) الآية [غافر: 46]، ولا طائر أشأم من هذا.

وقرأ الحسن: "إنما طيركم عند الله"، وهو اسمٌ لجمع طائرٍ غير تكسيرٍ، ونظيره: التجر والركب. وعند أبي الحسن:

هو تكسير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ولا يقع إلا شيء منها) يريد بهذه العبارة قلتها، لتقابل قوله: "لكثرته واتساعه"، وقوله: "إلا في الندرة" مقابل لقوله: "كالواجب".

قوله: (بسببٍ فيه)، الضمير المجرور عائد إلى "ما يصيبهم".

قوله: (وهو عملهم المكتوب عنده الذي يجري عليهم ما يسوؤهم لأجله) هذا عين مذهب أهل السنة، وإن دل أول كلامه على مذهبه.

اعلم أن لفظ "الطائر" قد يطلق على الحظ والنصيب، سواء كان خيراً أو شراً. وهو المراد بقوله: "أي: سبب خيرهم وشرهم عند الله"، وعلى التشاؤم وحده، وهو الوجه الثاني: .

قال الزجاج: "إنما قالت العرب: الطيرة فيما يكرهون، لأنهم كانوا يزجرون الطير، فإذا كان على جهة ما يكرهون، جعلوا ذلك أمراً يتشاءمون به. وقال بعضهم: (طائرهم): حظهم".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015