(إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) فيه أوجهٌ: أن يريدوا: إنا لا نبالي بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته، وخلاصنا منك ومن لقائك، أو ننقلب إلى الله يوم الجزاء فيثيبنا على شدائد القطع والصلب، أو إنا جميعاً- يعنون أنفسهم وفرعون- ننقلب إلى الله فيحكم بيننا. أو إنا لا محالة ميتون منقلبون إلى الله، فما تقدر أن تفعل بنا إلا ما لا بد لنا منه.
(وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا): وما تعيب منا إلا الإيمان بآيات الله، أرادوا: وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها، وهو الإيمان. ومنه قوله:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ..
هذا الكلام من فرعون تمويهاً على الناس". أي: لم يسمع شيئاً من السحرة، وموسى ما شعر بهذا المعنى، بل وضعه من تلقاء نفسه تمويهاً على الناس، أو سمع ما يدل عليه، كما جاء في الرواية: "أن موسى قال للساحر الأكبر" إلى آخره، ومن تمويهه قوله: (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) [الأعراف: 123] أي: آمركم. يعني: أن غلبة موسى لم تكن غلبةً في الحقيقة، إذ لو كانت لآذنتكم بالإيمان به (إنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ).
قوله: ((إنا إلى ربنا منقلبون): فيه أوجه): إنما احتمل الوجوه، لأن هذه القصة في هذه السورة جاءت مختصرة، وفي "الشعراء" أو في منها، فتحمل هذه على تلك، والمذكور فيها: (لا ضَيْرَ إنَّا إلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ المُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 50 - 51]، عللوا عدم المبالاة الذي يعطيه معنى (لا ضير) بالانقلاب إلى الله، والطمع في الثواب.
وفسر الآية هناك بوجوه ثلاثة، وزاد هنا، بناءً على ذلك، وجهاً واحداً.
الوجه الأول: قوله: "إنا لا نبالي بالموت، لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته، وخلاصنا منك"، ومما يقرب منه هنالك قوله: "لا ضير علينا في قتلك، إنك إن قتلتنا انقلبنا إلى ربنا انقلاب من يطمع في مغفرته، ويرجو رحمته".