(إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ): إن صنعكم هذا لحيلةٌ احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا منها إلى هذه الصحراء، قد تواطأتم على ذلك لغرضٍ لكم، وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوها بني إسرائيل، وكان هذا الكلام من فرعون تمويهاً على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإيمان. وروي أن موسى عليه السلام قال للساحر الأكبر: أتؤمن بي إن غلبتك؟ قال لآتين بسحر لا يغلبه سحر، وإن غلبتني لأومنن بك، وفرعون يسمع، فلذلك قال ما قال، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وعيدٌ أجمله، ثم فصله بقوله: (لَأُقَطِّعَنَّ)، وقرئ: "لأقطعن" بالتخفيف، وكذلك (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ مِنْ خِلافٍ): من كل شق طرفاً، وقيل: إن أوّل من قطع من خلاف وصلب لفرعون.
[(قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ* وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ..
وفيها أيضاً معنى التوبيخ، كما في الاستفهام. ونحوه قال الحسن في قوله تعالى: (اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً) [الفرقان: 5] بكسر الهمزة: "إنه قول الله يكذبهم".
وإنما أفاد الخبر التوبيخ، لأن الأصل في الإخبار الساذج أن يكون المخاطب خالي الذهن، وألا يلزم تحصيل الحاصل، فإذا ألقى إليه الجملة، وهو عالم بفائدتها، تؤكد بحسب قرائن الأحوال ما ناسب المقام.
وهاهنا، لما خاطبهم بما فعلوا، مخبراً إياهم في ذلك المقام، أفاد التوبيخ والتقريع.
قوله: (وروي أن موسي عليه السلام قال للساحر الأكبر): عطف على قوله: "وكان