(ذلِكَ) إشارةٌ إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وإنذارهم سوء العاقبة، وهو خبر مبتدأٍ محذوف: أي: الأمر ذلك، (وأَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) تعليل، أي: الأمر ما قصصناه عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم، على أن (أن) هي التي تنصب الأفعال، ويجوز أن تكون مخففةً من الثقيلة، على معنى: لأن الشأن والحديث: (لم يكن ربك مهلك القرى بظلمٍ). ولك أن تجعله بدلاً من (ذلك)، كقوله: (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ) [الحجر: 66].
(بِظُلْمٍ): بسبب ظلم قدموا عليه، أو ظالماً، على أنه لو أهلكهم وهم غافلون لم ينبهوا برسول وكتاب، لكان ظلماء وهو متعالٍ عن الظلم وعن كل قبيح.
(وَلِكُلٍ) من المكلفين (دَرَجاتٌ): منازل (مِمَّا عَمِلُوا) من جزاء أعمالهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو ظالماً) أي: ملتبساً بظلم. فعلى هذا: (وأهلها غافلون) حال متداخلة.
هذا الوجه قريب إلى مذهبه، بعيد من النظم، لأن قوله تعالى: (أَلَمْ يَاتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي) استفهام على سبيل التوبيخ والتقرير يوم القيامة. وقد آذن أن الحجة قد لزمتهم، وهي أنه تعالى لا يهلك قريةً ظالمة ابتداء، بل يبعث إليهم من ينذرهم ويخوفهم عذاب الآخرة، فإذا لم يقلعوا عما هم فيه، أنحى عليهم بالقلع والدمار فيهم، فقوله: (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ) كالتذييل والتأكيد للآية السابقة، ولابد من إثبات الظلم لهم، ولا يستقيم هذا المعنى استقامةً من غير تعسف إلا بذلك الوجه.
قوله: ((ولكل) من المكلفين (درجات))، أي: للمطيعين والعاصين درجات ودركات، فغلب. وهو قول أبي مسلم. قال الإمام: "وفيه قولان؛ أحدهما: لكل عاملٍ عمله،