ولم يزل يحرق عليه أنيابه، وقد طلب إليه أن ينفس عن خناقه: أهلكني الله إن نفست عنك إلا إذا شئت! وقد علم أنه لا يشاء إلا التشفي منه بأقصى ما يقدر عليه من التعنيف والتشديد، فيكون قوله: إلا إذا شئت، من أشد الوعيد، مع تهكمٍ بالموعد، لخروجه في صورة الاستثناء الذي فيه إطماع.
(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ): لا يفعل شيئاً إلا بموجب الحكمة (عَلِيمٌ) بأن الكفار يستوجبون عذاب الأبد.
[(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)].
(نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً): نخليهم حتى يتولى بعضهم بعضاً كما فعل الشياطين وغواة الإنس، أو يجعل بعضهم أولياء بعض يوم القيامة وقرناءهم، كما كانوا في الدنيا بِما (كانُوا يَكْسِبُونَ): بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي.
[يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَاتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يحرق عليه أنيابه)، الأساس: "ليحرق عليه الأرم: أي يسحق بعض الأضرا ببعضٍ للغيظ فعل الحارق بالمبرد".
الأرم، بالهمز وتشديد الراء: الأضراس، جمع آرم.
فعلى هذا: الاستثناء للتأبيد، كما نص عليه في قوله تعالى: (ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ) [الكهف: 23 - 24]، ونحوه قوله: (ومَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ) [الأعراف: 89].