(خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ) أي: يخلدون في عذاب النار الأبد كله، (إلا ما شاء الله): إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النّار إلى عذاب الزمهرير، فقد روي أنهم يدخلون وادياً فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض، فيتعاوون ويطلبون الردّ إلى الجحيم. أو يكون من قول الموتور الذي ظفر بواتره، ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومعنى قوله: (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ) كما قال: "استمتع الإنس بالشياطين، حيث دلوهم على الشهوات، وعلى أسباب التوصل إليها، وانتفع الجن بالإنس، حيث أطاعوهم، وساعدوهم على مرادهم وشهوتهم في إغوائهم".
وهذا معنى الاستكثار بعينه، كما شرحناه، ولذلك كان اعترافاً، ولهذا عقب بقوله: (قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا) الآية.
وأما الاستسلام: فقولهم: (وبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا)، أي: جاء اليوم الذي لا ملك إلا للواحد القهار، وما لنا من ناصرين.
وأما التحسر: فمن لفظة (ربنا)، قالوها تحسراً على ما فرطوا في جنب الرب الغفور الرحيم. نظيره قولهم: (يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) [الزمر: 56]، والله أعلم.
قوله: (أي: يخلدون فيها من عذاب النار) قيل: "من" بيان الهاء في "فيها". وفي نسخة: "في عذاب النار"، بدل من "فيها" بإعادة العامل.
قوله: ((إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ): إلا الأوقات). (ما) في (ما شاء الله): مصدرية، ويقدر معه مضاف، أي: إلا أوقات مشيئة الله تعالى، خص مشيئة الله بقوله: "إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير". وسيجيء تحقيق هذا الاستثناء في قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ والأَرْضُ إلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إنَّ رَبَّكَ) [هود: 107].
قوله: (الموتور)، الأساس: "يقال: وترت الرجل: قتلت حميمه، وأفردته، وطلب وتره، أي: ثأره".