ما في قوله: (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ) [الجن: 6]، وأن الرجل كان إذا نزل وادياً وخاف قال: أعوذ بربّ هذا الوادي، يعني به: كبير الجن. واستمتاع الجن بالإنس: اعتراف الإنس لهم بأنهم يقدرون على الدفع عنهم وإجارتهم لهم، (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) يعنون: يوم البعث، وهذا الكلام اعترافٌ بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى والتكذيب بالبعث، واستسلامٌ لربهم، وتحسر على حالهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وإجارتهم لهم)، الجوهري: "الجار: الذي أجرته من أن يظلمه ظالم. وأجاره الله من العذاب: أنقذه". وأنشد لمروان بن أبي حفصة:

هم المانعون الجار حتى كأنه ... لجارهم فوق السماكين منزل

قوله: (وهذا الكلام اعتراف) إلى قوله: (وتحسر على حالهم)، يعني قوله: (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا) متضمن للاعتراف بأشياء ثلاثة وللاستسلام والتحسر أيضاً، وهو جواب عن قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإنسِ)، فإنه من جوامع الكلم، وهو سؤال توبيخ وتعريض، ولهذا أجاب الإنس عنه، وطابقوا، لأن معنى: (استكثرتم): "أضللتم كثيراً منهم وجعلتموهم أتباعكم" كما قال.

يعني: أنتم، يا معشر الجن، اجتهدتم في تزيين الشهوات وأسبابها، وما قصرتم في الإغواء، وإنهم أيضاً ما تهاونوا في القبول والطاعة، فركنوا إلى الخلود في الأرض، ومتابعة الهوى، حتى جحدوا لقاء يومهم هذا.

وإليه الإشارة بقوله: "إتباع الهوى، والتكذيب بالبعث"، نظيره قوله: (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ) إلى قوله: (أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَوَاهُ) [الأعراف: 175 - 176].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015