قلت: نعم، على أن يجعل اختصاصهم بالهدى والفلاح تعريضاً بأهل الكتاب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (نعم على أن يُجعل اختصاصهم بالهدى والفلاح تعريضاً) يعني: إنما يجوزُ ذلك إذا جُعل الغرض في بناء (أُوْلَئِكَ) على "الذين"، ودلالة الاختصاص الذي يُعطيه معنى التركيب، التعريض بأهل الكتاب؛ ليكون قطع الكلام من الأول، وجعله جملةً بحيالها، والعدول من تلك المواقع المستحسنة لغرضٍ صحيح.

فإن قلت: هل يجوز أن يكون (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى) على الوجهين السابقين تعريضاً؟

قلت: ليس بواضح، لأن الغرض في الاستئناف الأول بيان موجب أن الكتاب هدىً لهم، أي: إنما كان الكتاب هدى لهم، لأنهم على هدىً لا يكتنه كنهه. وفي الاستئناف الثاني بيان جزاء أولئك الموصوفين بتلك الصفات الفائقة، فوجب أن يقال: لهم الهدى عاجلاً، والفلاح آجلاً. نعم لو أريد التعريض على سبيل الإدماج لجاز، بخلافه في تلك الصورة؛ لأن الغرض الأول هو التعريض. قال: "إذا كان الكلام منصباً إلى غرضٍ من الأغراض، جُعل سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوضٌ مطرح".

وذهب صاحب "المفتاح": إلى أن الجملة على هذا من مستتبعات (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)، وقدره: "هو هدى"، وقال (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) تقريرٌ وتوكيدٌ لقوله: (لَا رَيْبَ فِيهِ). فعُلم منه أنه على الوجوه السابقة كان مستتبعاً للمتقين، وهو يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يراد بالمتقين: الضالون الصائرون إلى الهدى كما في الوجه الثاني من الكتاب، فعطف هذه الجملة على السابقة على سبيل الحصول والوجود وتفويض الترتب إلى الذهن. يعني: إذا كان الكتاب هدى للضالين الصائرين إلى الهدى، فلأن يكون هدىً للذين شرعوا وصدقوا ما يجب تصديقه أحرى وأولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015