وتارةً بإعادة صفته، كقولك: أحسنت إلى زيد صديقك القديم أهل لذلك منك فيكون الاستئناف بإعادة الصفة أحسن وأبلغ، لانطوائها على بيان الموجب وتلخيصه. فإن قلت: هل يجوز أن يجرى الموصول الأوّل على المتقين، وأن يرتفع الثاني على الابتداء و (أولئك) خبره؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صديقاً لك، كما في الوجه الأول، لأن الصفة حينئذٍ لغير الكشف والمدح، لقوله: "ما لا يفعل بمن ليسوا على صفتهم"؛ فعلى الأول استحق الإحسان لما هو فيه، وعلى الثاني لما له عليك، وهذا أبين في تلخيص الموجب، لتخصيصه، أي: بما يستحق عليك الإحسان، ولكن ذاك أدخل في التمدح كأن ذاته لكونها مستجمعةً للخلال المرضية مستحقةٌ للإحسان.

على أن (أُولَئِكَ) في الآية ليس كالمثال، فإن إيراد اسم الإشارة هنا، كإعادة الموصوف مع صفاته المذكورة، وذلك أن "المتقين" لما حكم عليهم بكون الكتاب هُدى لهم، ثم أجرى عليهم تلك الصفات شيئاً فشيئاً، كما ذكر في "الفاتحة" مُيزوا غاية التمييز، فاستحقوا لذلك التمييز التام أن يفوزوا بالهدى عاجلاً، وبالفلاح آجلاً.

ويؤيد هذا التأويل قول القاضي: إذا كان (أُولَئِكَ) استئنافاً، كان نتيجة الأحكام والصفات المتقدمة. تم كلامه. فَوِزان قوله تعالى: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 2] إلى قوله: (يُنْفِقُونَ) وزانُ قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2] إلى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة: 4]، ووزان قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5] وزان قوله: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة: 5]، وها هنا سرٌ دقيقٌ وهو: أنه تعالى حكى في مفتتح كتابه الكريم مدح العبد لبارئه بسبب إحسانه إليه، وترقى فيه ثم مدح الباري هاهنا عبده بسبب هدايته له، وترقى فيه على أسلوبٍ واحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015