الذين لم يؤمنوا بنبوّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهم ظانون أنهم على الهدى وطامعون أنهم ينالون الفلاح عند اللَّه. وفي اسم الإشارة الذي هو (أولئك) إيذان بأنّ ما يرد عقيبه فالمذكورون قبله أهل لاكتسابه من أجل الخصال التي عدّدت لهم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وثانيهما: أن يُراد بهم الثابتون على التقوى كما في الوجه الأول، فالعطف حينئذٍ من حيث الجملة لا بالنظر إلى أنها مؤكدةٌ للسابق إذ لا تحسن هذه أن تكون مؤكدةً مثلها، بل تكون مستطردةً ولا يمنع العاطف من الاستطراد كما في قوله: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26] وتقريره: أنه لما قيل: إن الكتاب هدىً للمتقين الموصوفين بتلك الصفات النابهة، استتبع هذا الحديث حديث أهل الكتاب الذين جمعوا بين الإيمان بهذا الكتاب الكريم وبجميع ما نزل من الكتب السماوية، فأورد في الذكر على طريق التخصيص تعريضاً بمن لم يؤمن منهم.

قوله: (فالمذكورون قبله أهلٌ لاكتسابه) معنى كونهم على هدىً وحصول الفلاح لهم أمارةٌ لاستئهالهم للهدى والفلاح، لأجل اتصافهم بتلك الصفات، وهذا إنما يقع موقعه إذا اعتبر الاستئناف من قوله: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى) [البقرة: 5] كما سبق تقريره آنفاً لا من قوله: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة: 3] لأنه يلزم من إجراء الأوصاف على المتقين استئهالهم الهدى والفلاح، ويلزم من الاستئناف كون الكتاب هدىً، اللهم إلا أن يُجعل الموجب مركباً.

ولعل المقصود من ركوب الاستئناف الأول تقرير المذهب؛ يعني: إنما كان الكتاب هدىً للمتقين، لكونهم على هدىً وأي هدىً! فاستوجبوا لذلك أن يهتدوا بالكتاب، لأنهم أوجبوا على الله الهداية بعملهم كما قال: "بخصائصهم التي استوجبوا من الله أن يلطف بهم".

وقوله: (فالمذكورون قبله) واردٌ على مذهب الأخفش، وهو: أنّ "إنَّ" و"أنَّ" لا يمنعان دخول الفاء في خبر المبتدأ، فهو كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) [البروج: 10] ولكن معناه معنى قوله تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53] ألا ترى أنك لو جعلت مضمون قوله: (فَمِنَ اللَّهِ) هو المشروط، لكان المعنى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015