أولئك الموصوفين، غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا، وبالفلاح آجلا. واعلم أنّ هذا النوع من الاستئناف يجيء تارة بإعادة اسم من استؤنف عنه الحديث، كقولك: قد أحسنت إلى زيد، زيد حقيق بالإحسان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: ما للمتقين الذين هذه المذكورات حدهم، أو ما للكاملين بهذه الصفات؟ وقد راعى فيه معنى لا يلزم منه الموجب، بخلافه في الأول فليتدبر.
ولإفادة اللام الاختصاص: أعني في "المتقين"، قال في هذا الوجه: "أن يفوزوا دون الناس"، وفي الأول: "بمن ليسوا على صفتهم" وقال أولاً: "استوجبوا" بناءً على مذهبه، وثانياً: "غير مستبعدٍ أن يفوزوا" لأن الأول مبني على العلية، ثم الأنسب أن يجرى "المتقين" في الوجه الأول على الحقيقة، وهم الثابتون على التقوى، ليستقيم قوله: "استوجبوا بها من الله أن يلطف بهم"، وفي الثاني على المجاز، كما قال: (هُدىً) للصائرين إلى الهدى بعد الضلال، فيستقيم قوله: "غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلاً".
قوله: (هذا النوع) الإشارة بـ"هذا" إلى المذكور قبلُ، فإنه لا يخرج عن هذين القسمين، ويُفهم منه أن من الاستئناف أنواعاً تأتي على غير هذا النوع، ومن قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة: 15] بعد قوله: (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) [البقرة: 14]، وغير ذلك.
قوله: (زيدٌ حقيقٌ بالإحسان) جوابٌ عن قول من قال- إذا قُلت: أحسنت إلى زيدٍ: ما له أُحسن إليه؟ أي: هو حقيقٌ بالإحسان لما فيه من الخصال المرضية والخلال الحميدة كما في الوجه الثاني في تفسير الآية؛ لأن الوصف حينئذٍ حده، أو مدحه لقوله: "ما للمستقلين بهذه الصفات"، وقولك: صديقك القديم، جوابٌ عن قوله- حين قلت له: أحسنت إلى زيد: ما له أحُسِنُ إليه ولم يستوجب مني الإحسان؟ أي: استوجب منك الإحسان لكونه