لأن الأبصار إنما تتعلق بما كان في جهة أصلاً أو تابعاً، كالأجسام والهيئات.

(وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ): وهو للطف إدراكه للمدركات يدرك تلك الجواهر اللطيفة التي لا يدركها مدرك، (وَهُوَ اللَّطِيفُ) يلطف عن أن تدركه الأبصار، (الْخَبِيرُ) بكل لطيفٍ فهو يدرك الأبصار، لا تلطف عن إدراكه وهذا من باب اللطف.

[(قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)].

(قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) هو واردٌ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقوله: (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وخفيات الهواجس، ليكون المريد واقفاً على مواقف الإخبات والخضوع، آخذاً أهبة الحذر عن الشرك الخفي. وإلى هذه المعاني لمح صلوات الله عليه: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

فظهر من هذا البيان أن قوله: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ): إما استئناف على تقدير سؤال مورده قوله: (وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ)، أو صفة لـ (وَكِيلٌ)، وكالمقابل لمعنى قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ) إلى قوله: (إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف: 27]. قال المصنف: " (إنَّهُ يَرَاكُمْ): تعليل للنهي، وتحذير من فتنته، بأنه بمنزلة العدو المداجي، يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون".

قوله: ((قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ)): هو وارد على لسان رسول الله صلي الله عليه وسلم لدلالة قوله: (ومَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ)، لأنه إما حال من فاعل "جاء"؛ وهو (بَصَائُر)، أو من المفعول؛ وهو الضمير المنصوب، ويؤيد الثاني قوله: "أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015