. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال السجاوندي: " (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) ليس بمدح، لعدم كونه مرئياً، بل بيان أنه لا يرى في الدنيا، وهو يرى".
وقلت: قضية النظم تساعد قول ابن عباس رضي الله عنه، وذلك أن عطف قوله تعالى: (وجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الجِنَّ) [الأنعام: 100] كما سبق، على قوله: (إنَّ اللَّهَ فَالِقُ الحَبِّ والنَّوَى) [الأنعام: 95] على معنى: نحن أنعمنا عليهم بالنعم المتكاثرة، وأريناهم الآيات المتظاهرة، ليشكرونا، ولا يعبدوا غيرنا، وهم قد عكسوا؛ إذ عبدوا الجن، وجعلوا لله بنين وبنات: دل على استحقاق العبادة لله تعالى وعلى أنه ما خلق الخلق إلا للعبادة فلما أراد أن يبطل ما نسبوا إليه من اتخاذ بنين وبنات، على وجهٍ يستتبع المقصود من اختصاص العبادة به عز وجل قال: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ ولَدٌ ولَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام: 101]، ورتب عليه قوله: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) [الأنعام: 102].
ومن المقرر أن العبادة لا تكون معتداً بها، مقبولة، حتى تكون مصحوبة بالإخلاص، غير مشوبة بالرياء، فنبه بقوله: (وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ) [الأنعام: 102] على أنه بذاته الأقدس مراقب لأحوالهم، حافظ لما يصدر منهم، كقوله تعالى: (ولِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) [طه: 39]، وأن مراقبته على خلاف ما عليه المراقب في الشاهد، لأنه مراقب بحيث لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، لئلا يبطل غرض التكليف، لأن العابد إذا رآه يضطر إلى العبادة.
وفي تخصيص ذكر إدراكه الأبصار التلويح إلى المحافظة التامة، لئلا يسترق المرائي النظر إلى الخلق، وفي ذكر (اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) الرمز إلى المراقبة الكاملة لخبيئات الصدور،