والانقطاع، فيكون المعطوف غير المعطوف عليه. ويحتمل أن يراد وصف الأوّلين. ووسط العاطف على معنى أنهم الجامعون بين تلك الصفات وهذه. فإن قلت: فإن أريد بهؤلاء غير أولئك، فهل يدخلون في جملة المتقين أم لا؟ . قلت: إن عطفتهم على (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) دخلوا وكانت صفة التقوى مشتملة على الزمرتين من مؤمنى أهل الكتاب وغيرهم. وإن عطفتهم على (لِلْمُتَّقِينَ) لم يدخلوا. وكأنه قيل: هدى للمتقين، وهدى للذين يؤمنون بما أنزل إليك. فإن قلت: قوله: (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) إن عنى به القرآن بأسره والشريعة عن آخرها، فلم يكن ذلك منزلا وقت إيمانهم، فكيف قيل أنزل بلفظ المضىّ؟ وإن أريد المقدار الذي سبق إنزاله وقت إيمانهم فهو إيمان ببعض المنزل واشتمال الإيمان على الجميع سالفه ومترقبه واجب. قلت: المراد المنزل كله وإنما عبر عنه بلفظ المضىّ وإن كان بعضه مترقباً، تغليبا للموجود على ما لم يوجد، كما بغلب المتكلم على المخاطب، والمخاطب على الغائب فيقال:
أنا وأنت فعلنا، وأنت وزيد تفعلان. ولأنه إذا كان بعضه نازلا وبعضه منتظر النزول جعل كأن كله قد نزل وانتهى نزوله، ويدل عليه قوله تعالى: (إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) [الأحقاف: 30] ولم يسمعوا جميع الكتاب، ولا كان كله منزلا، ولكن سبيله سبيل ما ذكرنا. ونظيره قولك: كل ما خطب به فلان فهو فصيح، وما تكلم بشيء إلا وهو نادر. ولا تريد بهذا الماضي منه فحسب دون الآتي، لكونه معقوداً بعضه ببعض، ومربوطا آتيه بماضيه. وقرأ يزيد بن قطيب بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ على لفظ ما سمى فاعله. وفي تقديم (بِالْآخِرَةِ) وبناء (يُوقِنُونَ) على: (هُمْ) تعريض بأهل الكتاب وبما كانوا عليه من إثبات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفي تقديم "بالآخرة" وبناء (يُوقِنُونَ) على (هُمّ) تعريضٌ) إلى آخره، أي: قصد بهذين الاعتبارين تينك الخاصيتين- أعني: التخصيص وتقوّي الحكم- تعريضاً بهم،