واجتماعهم على الإقرار بالنشأة الأخرى، وإعادة الأرواح في الأجساد، ثم افتراقهم فرقتين: منهم من قال: تجرى حالهم في التلذذ بالمطاعم والمشارب والمناكح على حسب مجراها في الدنيا ودفعه آخرون فزعموا أن ذلك إنما احتيج إليه في هذه الدار من أجل نماء الأجسام ولمكان التوالد والتناسل، وأهل الجنة مستغنون عنه فلا يتلذذون إلا بالنسيم والأرواح العبقة، والسماع اللذيذ والفرح والسرور، واختلافهم في الدوام .....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (واجتماعهم)، روي مرفوعاً ومجروراً؛ فالرفع عطفٌ على قوله: "ما كانوا عليه"، والجر على قوله: "أنه لا يدخل الجنة". المعنى: زال مع هذا الإيقان زعماتهم أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وزال أيضاً ما كانوا عليه من خلط الحق مع الباطل، وهو الإقرار بالنشأة الأخرى، ثم افتراقهم فرقتين: فرقةٌ منهما موافقةً للمسلمين، وفرقةٌ مخالفةٌ لهم في قولهم بالتلذذ الجسماني، وفي الدوام والانقطاع.

قوله: (الأرواح العبقة)، الجوهري: الريح واحدة الرياح والأرياح، وقد تُجمع على أرواح؛ لأن أصلها الواو، وإنما جاءت بالياء لانكسار ما قبلها، فإذا رجعوا إلى الفتح عادت إلى الواو، كقولك: أروح الماء، وتروحت بالمروحة، الأساس: عبق به الطيب: لزمه، وامرأة عبقة: تطيبت بأدنى طيبٍ، فلم تذهب عنها ريحه أياماً. وقال أبو الطيب:

مسكية النفحات إلا أنها ... وحشيةٌ بسواهم لا تعبق

قوله: (واختلافهم)، عطفٌ على "افتراقهم" لا على "اجتماعهم"؛ ليكون في حكم "ثم" في التراخي. المعنى: أنهم اجتمعوا على الإقرار بإعادة الأرواح إلى الأجساد، ثم حصلت لهم التفرقة في كيفية الأحوال، والاختلاف في كمية الزمان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015