أمر الآخرة على خلاف حقيقته، وأنّ قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأن اليقين ما عليه من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك. والإيقان: إتقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه. وبِالْآخِرَةِ تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأوّل، وهي صفة الدار بدليل قوله: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) [القصص: 83]، وهي من الصفات الغالبة، وكذلك الدنيا. وعن نافع أنه خففها بأن حذف الهمزة وألقى حركتها على اللام، كقوله (دَابَّةُ الْأَرْضِ) [سبأ: 14].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقوله: "تعريضٌ بأهل الكتاب" توطئة، وقوله: "بما كانوا عليه" وقوله: "وأن قولهم" إني آخره، عطفٌ عليه على طريقة: أعجبني زيدٌ وكرمه. وهذان المعطوفان تفسيران لقوله: "وفي تقديم "بالآخرة"" وقوله: "وبناء "يوقنون"" على سبيل النشر، فدل التقديم على التخصيص، وأن إيمانهم مقصورٌ على الآخرة الحقيقية لا يتجاوز إلى ما أثبته اليهود، وهو أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هوداً، وأنه لا تمسهم النار إلا أياماً معدودات، وأن أهل الجنة يتلذذون بالنسيم والأرواح العبقة، وهو المارد بقوله: "من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته" ودل بناء "يوقنون" على "هم" على تحقيق إيقانهم وثباته، وهو المراد بقوله: "وأن قولهم ليس بصادرٍ عن إيقانٍ، وأن اليقين ما عليه من آمن بما أُنزل إليك"، ثم بمجموعها دل على أن اليهود على خلاف ذلك تعريضاً، فعلى هذا قوله: "وأن اليقين ما عليه" ليس معطوفاً على "تعريضٌ" كما ظُن، وإنما لم يُحمل قوله: "وبناء "يوقنون" على "هم"" على التخصيص؛ لأن القول بتقوى الحُكم يفيد التحقيق ويستلزم التخصيص بالتعريض، والقول بالتقديم لا يفيد إلا التخصيص، فكان أولى.

قوله: (والإيقان: إتقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه). قال القاضي: اليقين: إتقان العلم بنفي الشبهة عنه نظراً واستدلالاً، ولذلك لا يوصف به العلم القديم والعلوم الضرورية.

وقال الإمام: لا يُقال: تيقنت أن السماء فوقي، ويقال: تيقنت ما أردته بكلامك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015