بهؤلاء مؤمنو أهل الكتاب كعبد اللَّه بن سلام وأضرابه من الذين آمنوا، فاشتمل إيمانهم على كل وحى أنزل من عند اللَّه، وأيقنوا بالآخرة إيقاناً زال معه ما كانوا عليه من أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى وأنّ النار لن تمسهم إلا أياماً معدودات،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كعبد الله بن سلام)، قال في "الجامع": هو عبد الله بن سلام بن الحارث، من بني قينقاع الإسرائيلي. وكان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وسلام: بتخفيف اللام. قينقاع: بفتح القاف وضم النون وبالعين المهملة.
قوله: (وأضرابه)، قال المصنف: أكثر الناس على أن الأضراب جمع ضربٍ بفتح الضاد، وعندي بكسرها فعلٌ بمعنى مفعول- كالعجز- وهو الذي يُضرب به المثل. ولا بد في المضروب به مثلاً والمضروب فيه من المماثلة. وقال غيره: الضرباء والأضراب: الأمثال، سمعت غير واحدٍ من العرب يقولون: هذا ضربه، أي: مثله بكسر الضاد. ويعضده مثل ومثيل، وشبهٌ وشبيه، وأنهم جمعوه على أضراب.
قوله: (فاشتمل إيمانهم)، الفاء سببية، تقديره: آمنوا بالقرآن بعد أن كانوا مؤمنين بكتابهم؛ فلزم من إيمانهم بهذا اشتمال الإيمان على كل وحي. ثم قوله: "وأيقنوا بالآخرة" مشعرٌ بأن في الكلام تغييراً، وأن أصل الكلام: الذين آمنوا بما أُنزل إليك، وما أُنزل من قبلك، وأيقنوا بالآخرة؛ فأتى بالمضارع، وقدم الجار والمجرور، وأبرز الضمير، وبنى عليه لإعطاء معنى التخصيص مع التأكيد، على منوال قوله: (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) [الإسراء: 100] ليكون تعريضاً بمن لم يؤمن منهم، وبأن إيمانهم بالآخرة على خلاف ما هي عليه مع التردد فيهم، وأن إيمان المؤمنين مستمر الوقوع.