والأوّل أظهر لقوله: (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي)، وقوله: (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
فإن قلت: لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ، وكلاهما انتقال من حالٍ إلى حال؟ قلت: الاحتجاج بالأفول أظهر، لأنه انتقال مع خفاءٍ واحتجاب.
فإن قلت: ما وجه التذكير في قوله: (هذا رَبِّي) والإشارة للشمس؟ قلت: جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارةً عن شيءٍ واحد، كقولهم: ما جاءت حاجتك، ومن كانت أمك؟ و (لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الأنعام: 23]، وكان اختيار هذه الطريقة واجباً لصيانة الرب عن شبهة التأنيث. ألا تراهم قالوا في صفة الله: «علام»، ولم يقولوا: «علامة» وإن كان العلامة أبلغ، احترازاً من علامة التأنيث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والأول أظهر) أي: استدلاله لأجل قومه على سبيل الاستدراج أقوى لقوله: (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي).
قال الزجاج: "واحتج القائلون بأن قوله كان على وجه النظر والاستدلال، بهذه الآية، وهذا لا يوجب ذلك، لأن الأنبياء تسأل الله أن يثبتها على الهدى، وتعلم أنه لولا هداية الله ما اهتدت، وقد قال: (واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35] ".
والعجب أن المصنف قلب القضية، فجعل دليل الخصم دليله، وذلك أن اللام في قوله: (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي) موطئة للقسم، بدليل قوله: (لأَكُونَنَّ). وقد تقرر أن الجملة القسمية إنما يتلقى بها من ينكر ويبالغ في الإصرار. وعلى تقدير أنه عليه الصلاة والسلام كان مستدلا، واختلج في خلده تردد، لم يبلغ تردده أن ينكر على نفسه هذا الإنكار البليغ، ولأن قوله: (رَبِي) تصريح بأنه لم يكن مستدلا لنفسه، ولهذا قال: "الأول أظهر".