و (نُرى) حكايةُ حالٍ ماضية، وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤدٍّ إلى أن شيئاً منها لا يصح أن يكون إلهاً، لقيام دليل الحدوث فيها، وأن وراءها محدثاً أحدثها، وصانعاً صنعها، ومدبراً دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها.

(هذا رَبِّي): قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه، لأنّ ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب، ثم يكرّ عليه بعد حكايته، فيبطله بالحجة.

(لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ): لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حالٍ إلى حال، المتنقلين من مكانٍ إلى مكان، المحتجبين بستر، فإنّ ذلك من صفات الأجرام.

(بازِغاً): مبتدئاً في الطلوع، (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي) تنبيهٌ لقومه على أنّ من اتخذ القمر إلهاً- وهو نظير الكوكب في الأفول- فهو ضال، وأنّ الهداية إلى الحق بتوفيق الله ولطفه.

(هذا أَكْبَرُ) من باب استعمال النصفة أيضاً مع خصومه، (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) من الأجرام التي تجعلونها شركاء لخالقها.

(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي: للذي دلَّت هذه المحدثات عليه، وعلى أنه مبتدؤها ومبتدعها.

وقيل: هذا كان نظره واستدلاله في نفسه، فحكاه الله،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (أنجى من الشغب)، الجوهري: "الشغب - بالتسكين، والغين المعجمة-: تهييج الشر، ولا يقال: شغب، بالفتح".

قوله: (وقيل: هذا كان نظره): معطوف على جملة قوله: "وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام ... ، فأراد أن ينبههم على الخطأ". فعلى هذا الفاء في (فَلَمَّا جَنَّ) تفصيلية كما سبق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015