ذكر غير المتقين من المسلمين وأمر بإنذارهم ليتقوا، ثم أردفهم ذكر المتقين منهم، وأمره بتقريبهم وإكرامهم، وأن لا يطيع فيهم من أراد بهم خلاف ذلك، وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم، أي: عبادته، ويواظبون عليها. والمراد بذكر "الغداة" و"العشي": الدوام. وقيل: معناه: يصلون صلاة الصبح والعصر، ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله: (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، والوجه يعبر به عن ذات الشيء وحقيقته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والكلام مرتبط بعضه ببعض: أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أولاً بالإعراض عن المتمردين الذين لا ينجع فيهم التذكير، ثم أمره ثانياً بالإنذار لمن ينجع فيه الوعظ من الكفار، ثم نهاه ثالثاً عن طرد المتقين، يعني: اترك المعاندين وإنذارهم، واشتغل بمن يرجي منهم الخير، وإلزم مصاحبة المؤمنين.
قال في "الانتصاف": "إنما تلزم الحال لو قيل: "وأنذر به الذين يحشرون"، إذ لولا الحال لعم الأمر بالإنذار، والمقصود تخصيصه. وأما وقد قيل: {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا {فهو مستقل بتخصيص الإنذار: إما لإقرارهم به، وإما لأخذهم بالأحوط، دون العتاة المتمردين، وليس كل خائفٍ من البعث لا شفيع له، فإن الموحدين أجمعين خائفون وهم مشفوع لهم. فإن عني بأن الحال لازمة، كقوله: {وهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا {[البقرة: 91]، كان بناءً على قاعدته في إنكار الشفاعة. فكل خائفٍ عنده غير مشفوع له، إذ لا يخاف عنده إلا أصحاب الكبائر غير التائبين، أو الكفار، ولا شفاعة لهم عنده، وإنما الشفاعة عنده في زيادة الثواب لمن استوجبه - بزعمه - بعمله الصالح. وهذا عنده لا يخاف من البعث، لأنه يستوجب الجنة. فجعل الحال لازمة، لأن غير الخائف لا تتناوله الآية، والخائف مستوجب للعقاب عنده، فلا شفاعة له. فتفطن لدقائقه".
قوله: (ويواظبون) تفسير "يواصلون". وفيه إيذان بأن {يَدْعُونَ {محمول على الاستمرار.