كما يفعل الأب المشفق بولده؛ يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى؛ طلباً لصلاحه، (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا) من الخير والنعم، لم يزيدوا على الفرح والبطر، من غير انتدابٍ لشكر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله: (ليراوح عليهم) إلى قوله: (كما يفعل الأب المشفق) لا يصلح أن يكون تعليلاً لقوله تعالى: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ {، لأن هذا مكر واستدراج من حيث لا يعلمون، وذلك تثقيف وتأديب.

روينا في "مسند الإمام أحمد بن حنبل"، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب: فإنما هو استدراج". ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ {، الآية، أي: تركوا الاتعاظ من البأساء والضراء. نعم في قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَاسَاءِ والضَّرَّاءِ {رائحة من تأديب الأب المشفق. ونظيره قوله تعالى: {ومَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَاسَاءِ والضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ والسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ {[الأعراف: 94 - 95].

قوله: (لم يزيدوا على الفرح والبطر من غير انتدابٍ لشكر، ولا تصد لتوبة): ليس جوابا لقوله: {إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا {، بل هو تفسير له، والجواب: {أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً {، وقوله: "من غير انتدابٍ لشكر" قيل: هو حال من المجرورين، و"من": ابتدائية، أي: لم يزيدوا على الفرح والبطر، كائنين من عدم الشكر والتوبة، وذلك أنه تعالى حكي عن حال الأمم الخالية، الذين بطرت معيشتهم فأخذهم بالبأساء، ليتضرعوا ويتوبوا، فما تضرعوا، ثم فتح عليهم أبواب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015