[(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَا يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)].

فإن قلت: كيف أتبعه قوله: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا)؟ قلت: لما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما يشهد لربوبيته، وينادي على عظمته، قال: والمكذبون (صُمٌّ): لا يسمعون كلام المنبه (وَبُكْمٌ): لا ينطقون بالحق، خابطون في ظلمات الكفر، فهم غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه، ثم قال إيذاناً بأنهم من أهل الطبع: (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ) أي: يخذله ويخله وضلاله لم يلطف به، لأنه ليس من أهل اللطف، (وَمَنْ يَشَا يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي: يلطف به لأنّ اللطف يجدي عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ألا ترى كيف جعل التأكيد بياناً؟ وكيف يعني بقوله: {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ {أنه من باب عطف البيان! والمبين كالترجمة والتفسير لما اشتمل عليه المبين من الإبهام، وهو عين التأكيد؟

قال الإمام: "هو كقولهم: نعجة أنثى، وكلمته بقي، ومشيت برجلي".

قال صاحب "التقريب": "في قول المصنف نظر، لأنهما صفتان، فهما بالدلالة على التخصيص أولى من التعميم".

وأجيب: أن التوكيد لا ينافي الصفة، كقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إنَّمَا هُوَ إلَهٌ واحِدٌ {[النحل: 51]، و {نَفْخَةٌ واحِدَةٌ {[الحاقة: 13]، وقولهم: "أمس الزائل لا يعود"، وأن التعميم نوع من التخصيص.

قوله: (ثم قال: إيذاناً بأنهم من أهل الطبع: {مَن يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ {). ما أظهر دلالته على مذهب أهل السنة! وذلك أنه تعالى لما أنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصه على إسلام قومه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015