فإنهم كذبوك وأنت صادق، وليشغلك عن ذلك ما هو أهمّ، وهو استعظامك بجحود آيات الله تعالى والاستهانة بكتابه. ونحوه قول السيد لغلامه - إذا أهانه بعض الناس -: إنهم لم يهينوك وإنما أهانونى! وفي هذه الطريقة قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ) [الفتح: 10].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويقال: أله عن الشيء: أي: اتركه.

والمعنى: أضرب عن الاشتغال بحزن نفسك، إلى الاشتغال بحزن ما هو أهم، وهو استعظام جحود آيات الله، والاستهانة بها.

فإن قيل: هذا غير مطابق للمثال والعادة، يقال: إذن تأمل، وقف على المطابقة، فإن قوله: {ولَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ {استدراك، وضع فيه مظهران موضع مضمرين، لشدة الخطب وعظم الأمر! وفيه تهديد للظالمين، وتنبيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كأنه قيل له: اشتغلت بخاصة نفسك، وذهلت عما هو أهم من ذلك، وهو ما تستعظمه من جحود آيات الله، والاستهانة بكتابه، ومن عادتك أن تؤثر حق الله على حق نفسك.

ويعضده ما روينا عن البخاري ومسلم ومالك وأبي داود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط، إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه: وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيءٍ قط، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم".

وكذلك قول السيد: "وإنما أهانوني" وإن كان تهديداً للجاني، لكن فيه ردع للغلام عن تركه الأولى، وهو استعظام إهانة السيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015