إذا قوّم ونظر بعد التقويم: أي: الثلاثة يختار؟ فأما إذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وحده من غير تخيير، فإذا كان شيئاً لا نظير له قوّم حينئذٍ ثم يخير بين الإطعام والصوم، ففيه نبوّ عما في الآية! ألا ترى إلى قوله تعالى: (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) كيف خير بين الأشياء الثلاثة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقويم؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلت: لا خفاء في تعسف هذا التقرير وارتكاب خلاف الظاهر مع عدم الفائدة، وأما قوله: "إذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وحده من غير تخيير" إلى آخره، فلا يُعرف هذا من مذهب الشافعي، والمنقول عن الأصحاب بخلافه، قال الإمام الرافعي رحمه الله: الصيد ينقسم إلى مثلي، ويعني به: ما له مثل من النعم، وإلى ما ليس بمثلي، أما الأول فجزاؤه على التخيير والتعديل، فيخير بين أن يذبح مثله فيتصدق به على مساكين الحرم، ولا يجوز أن يخرجه حياً، وبين أن يقوم المثل دراهم ولا يجوز أن يتصدق بالدراهم، ولكن يشتري بها طعاماً ويتصدق به على مساكين الحرم، وإن شاء صام عن كل مد من الطعام يوماًن حيث كان، وأما غير المثلي، كالعصافير، فتُقدر قيمته ولا يتصدق بثمنها، بل يجعلها طعاماً، ثم إن شاء تصدق بها وإن شاء صام عن كل مُد يوماً.

وقال صاحب "الروضة": فحصل من هذا أنه في المثل مخير بين الحيوان والطعام والصيام، وفي غيره بين الطعام والصوم، هذا هو المذهب المقطوع به في كتب الشافعي والأصحاب.

وقلت: الفرق بين قولي الإمامين: هو أن أبا حنيفة رضي الله عنه ارتكب المجاز في قوله تعالى: {مِثْلُ مَا قَتَلَ} حيث جعله القيمة كما سبق، وأصحاب الشافعي في قوله: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ} كما سبق عن الرافعي، فيخير بين أن يذبح مثله وبين ني قوم المثل دراهم، وروى الإمام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015