قلت: قد خير من أوجب القيمة بين أن يشتري بها هدياً، أو طعاماً، أو يصوم، كما خير اللَّه تعالى في الآية، فكان قوله: (مِنَ النَّعَمِ) بياناً للهدي المشترى بالقيمة في أحد وجوه التخيير؛ لأن من قوم الصيد واشترى بالقيمة هدياً وأهداه، فقد جزى بمثل ما قتل من النعم. على أن التخيير الذي في الآية بين أن يجزى بالهدى أو يكفر بالإطعام أو بالصوم، إنما يستقيم استقامة ظاهرة بغير تعسف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قد خير من أوجب القيمة)، يعني: من فسر قوله: {جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} بمعنى: جزاء يماثل ما قُتل من الصيد بالقيمة، لم يقتصر عليه، بل خير بأن يشتري بالقيمة هدياً أو طعاماً أو يصوم كما سبق، فالجزاء حينئذ أحد هذه الأشياء على التخيير، فكان قوله: {مِنْ النَّعَمِ} بياناً للهدي الذي هو أحد هذه الأشياء المرادة من قوله: {جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} والحاصل أن قوله: {جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ} لما كان محتملاً لكل من الثلاثة على البدل، ولم يُعلم بعينه، فجيء بقوله: {مِنْ النَّعَمِ} بياناً لكون المراد به الهدي المشترى، وإنما كان من النعم بياناً لمثل ما قُتل، وهو كما قيلن وهو على ما ذهب إليه القيمة لا الحيوان، لأن من قوم الصيد واشترى بالقيمة هدياً فأهداه فقد جزى بمثل ما قتل من النعم، وهذا البيان مثل البيان الذي ذكره في قوله تعالى: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ} [يونس: 9]، قال: "قوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ} بيان لقوله: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} يعني: أن من هداه الله، أي: أقامه على الإيمان وسدده، سبب له الوصول إلى الثواب"، فكان قوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ} بياناً لمسبب قوله: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ}، وهو: الوصول إلى الثواب، فكذا هاهنا {مِنْ النَّعَمِ}: بيان لمسبب قوله: {جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ}، وهو الهدى المشترى إذا فسر الجزاء بالقيمة.
قوله: (على أن التخيير) أي: الجواب مع ما ذكرت: مع أن التخيير في الآية يطابق هذا التقدير وينبو عن تقدير الخصم هذه الخاتمة، كالتتميم للجواب.