(فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ): برفع (جزاء) و (مثل) جميعاً، بمعنى: فعليه جزاءٌ يماثل ما قتل من الصيد. وهو عند أبي حنيفة قيمة المصيد يقوّم حيث صيد، فإن بلغت قيمته ثمن هدي تخير بين أن يهدي من النعم ما قيمته قيمة الصيد، وبين أن يشتري بقيمته طعاماً، فيعطى كل مسكين نصف صاع من برّ أو صاعاً من غيره، وإن شاء صام عن طعام كل مسكينٍ يوماً، فإن فضل ما لا يبلُغ طعام مسكين صام عنه يوماً أو تصدّق به. وعند محمدٍ والشافعي رحمهما اللَّه: مثله: نظيره من النعم، فإن لم يوجد له نظير من النعم عدل إلى قول أبي حنيفة رحمه اللَّه.
فإن قلت: فما يصنع من يفسر المثل بالقيمة بقوله: (مِنَ النَّعَمِ) وهو تفسيرٌ للمثل، وبقوله: (هدياً بالغ الكعبة)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليؤذن أن المخطيء ليس عليه شيء، وهو مذهب داود، والأول: مذهب الجمهور، ودليلهم: قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً}، ولا تسقط الحرمة بالخطأ والجهل، كما في حلق الرأس وضمان المال.
قوله: (يُماثل ما قتل من الصيد)، الراغب: المثل يقع على الند الذي هو المماثلة في الجنس، وعلى الشبيه الذي يماثله في الكيفية، وعلى المساواة التي هي المماثلة في الكمية، وعلى المشاكلة التي هي الماثلة في الهيئة، فلما كانت المماثلة لا تختص، صار اللفظ مشتركاً، فاختلف فيه، واعتبر ابن عباس المماثلة في الخلقة، وإليه ذهب سعيد بن جبير وقتادة ومالك والشافعي رضي الله عنهم، واعتبر عطاء ومجاهد المماثلة في القيمة، وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنهم، واللفظ بالأول أليق لقوله: {مِنْ النَّعَمِ}.