ونظمت هذا النظم السرى؛ من نكتة ذات جزالة. ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه وأرشقه، وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة. وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف. وفي الرابعة الحذف. ووضع المصدر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (السري)، أي: العظيم، الأساس: يقال: فلانٌ من السراة، ومن أهل السرو؛ وهو السخاءُ في مروءة. ومن المجاز: سروات الطريق: معاظمها وظهورها.
الراغب: السري من السرو، أي: الرفعة. يقال: رجلٌ سريٌ.
قوله: (ففي الأولى الحذف)، أي: حذف المبتدأ، أي: هذه (الم) إذا جعلت اسماً للسورة.
قوله: (والرمز إلى الغرض) أي: التحدي: وأُريد بألطف وجهٍ، كونها مشيرةً إلى أن المُتحدى به من جنس ما تنظمون منه كلامكم على سبيل الاستدراج.
وطفي الثانية ما في التعريف من الفخامة" وهي: الدلالة على كونه كاملاً في بابه.
و"في الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف" وهو الدلالة على نفي الريب عنه بالكلية من غير أن يتعرض لإبطال غيره.
و"في الرابعة الحذف" أي: هو هُدى، ووضع المصدر موضع اسم الفاعل على طريقة رجلٍ عدل، وإيراده منكراً، أي: هادياً لا يكتنه كنهه. والإيجاز حيث لم يقل: هدى للضالين الصائرين إلى التقوى؛ رعايةً لحسن المطلع.
قال القاضي: وتستتبع السابقة منها اللاحقة استتباع الدليل للمدلول؛ فإنه لما نبه أولاً على إعجاز المتحدى به- لزم منه أنه الكتاب البالغ درجة الكمال، واستلزم ذلك أن لا يتشبث الريب بأطرافه؛ إذ لا أنقص مما يعتريه الشك، وما كان كذلك؛ كان لا محالة هدى للمتقين