يجوز غيره. وعن عمر رضي اللَّه عنه: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم. وعن عائشة رضي اللَّه عنها: أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر. فإن قلت: فما تصنع بقوله: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا)؟ قلت: كأنهم ألفوا الإتمام؛ فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصاناً في القصر فنفى عنهم الجناح؛ لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه. وقرئ: (تقصروا) من أقصر، وجاء في الحديث إقصار الخطبة، بمعنى: تقصيرها؛ وقرأ الزهري (تقصروا) بالتشديد. والقصر ثابت بنص الكتاب في حال الخوف خاصة؛ وهو قوله (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وأمّا في حال الأمن فبالسنة.
وفي قراءة عبد اللَّه: (من الصلاة أن يفتنكم) ليس فيها (إِنْ خِفْتُمْ)، على أنه مفعول له، بمعنى: كراهة أن يفتنكم. والمراد بالفتنة: القتال والتعرّض بما يكره.
[(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَاخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَاتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَاخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً* فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَانَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) 102 - 103].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "والقصر ثابت بنص الكتاب في حال الخوف خاصة"، وهو قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ}). قال القاضي: أن يفتنكم شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت؛ ولذلك لم يعتبر مفهومها كما لم يعتبر في قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وتظاهرت السنن على جوازه أيضاً في حال الأمن.