وروي في قصة جندب بن ضمرة: أنه لما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله، ثم قال: اللهم هذه لك، وهذه لرسولك، أبايعك على ما بايعك عليه رسولك، فمات حميداً، فبلغ خبره أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: لو توفي بالمدينة لكان أتم أجراً. وقال المشركون وهم يضحكون: ما أدرك هذا ما طلب؛ فنزلت.

وقالوا: كل هجرة لغرض ديني من طلب علم، أو حج، أو جهاد، أو فرارٍ إلى بلدٍ يزداد فيه طاعة أو قناعة وزهداً في الدنيا، أو ابتغاء رزق طيب؛ فهي هجرة إلى اللَّه ورسوله، وإن أدركه الموت في طريقه، فأجره واقع على اللَّه.

[(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوَا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا)].

الضرب في الأرض: هو السفر. وأدنى مدة السفر الذي يجوز فيه القصر عند أبي حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام ولياليهنّ سير الإبل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على الله تعالى فإنا لا نُنازع في الوجوب؛ لكن بحكم الوعد والعلم والتفضل والكرم، لا بحكم الاستحقاق.

وقال المصنف: إنما قيل: {ثُمَّ يُدْرِكْهُ} لبيان أن الأجر إنما يستقيم إذا لم يحبط العمل، حتى جاء الموت. وقلت: ويمكن أن يقال: إن مقتضى الظاهر هو أن يقال: ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ومات يُثبه؛ فوضع موضع مات: {يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} إشعاراً بمزيد الرضا عن الله تعالى؛ وأن الموت الهداية من الله تعالى؛ لأنه سبب الوصول إلى ذلك الأمر العظيم الذي لا ينال إلا بالموت؛ ثم عدل من العطف بالواو {ثُمَّ} تتميماً لهذه الدقيقة وأن مرتبة الخروج دون هذه المرتبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015