أنه في غير بلده أقوم بحق اللَّه، وأدوم على العبادة؛ حقت عليه المهاجرة، وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجبت له الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد». اللهم إن كنت تعلم أن هجرتي إليك لم تكن إلا للفرار بديني فاجعلها سبباً في خاتمة الخير، ودرك المرجوّ من فضلك، والمبتغى من رحمتك، وصل جواري لك بعكوفى عند بيتك بجوارك في دار كرامتك يا واسع المغفرة.
ثم استثنى من أهل الوعيد المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة في الخروج؛ لفقرهم وعجزهم، ولا معرفة لهم بالمسالك.
وروي: أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث بهذه الآية إلى مسلمي مكة، فقال جندب بن ضمرة- أو ضمرة بن جندب - لبنيه: احملوني، فإني لست من المستضعفين، وإني لأهتدي الطريق، واللَّه لا أبيت الليلة بمكة، فحملوه على سريرٍ متوجهاً إلى المدينة، وكان شيخاً كبيراً فمات بالتنعيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (استوجبت) قيل: معناه: وجبت، وحقيقته: طلبت الجنة له الوجوب، ويروى: استوجبت، مجهولاً.
قوله: (جندب بن ضمرة، أو ضمرة بن جندب) والصحيح في "الاستيعاب": جُندبُ ابن ضمرة الجندعي، لما نزلت {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} فقال: اللهم قد أبلغت في المعذرة والحجة ولا معذرة لي ولا حجة، ثم خرج وهو شيخ كبير فمات في بعض الطريق، فقالت الصحابة: مات قبل أن يهاجر، فلا ندري أعلى ولاية هو أم لا؟ فنزلت الآية.
قوله: (فمات بالتنعيم). المغرب: التنعيم: موضع قريب من مكة عند مسجد عائشة رضي الله عنها.