أمر دينكم؟ وهم ناسٌ من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة. فإن قلت: كيف صح وقوع قوله: (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) جواباً عن قولهم: (فِيمَ كُنْتُمْ) وكان حق الجواب أن يقولوا: كنا في كذا، أو لم نكن في شيء؟ قلت: معنى (فِيمَ كُنْتُمْ): للتوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيءٍ من الدين، حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا، فقالوا: (كنا مستضعفين)؛ اعتذاراً مما وبخوا به، واعتلالاً بالاستضعاف، وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا في شيء، فبكتتهم الملائكة بقولهم: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) أرادوا: أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم، ومن الهجرة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة، وهذا دليلٌ على أن الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب- والعوائق عن إقامة الدين لا تنحصر- أو علم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (حين كانت الهجرة فريضة)، عن البخاري عن مجاهد قال: قلت لابن عمر: أريد أن أهاجر إلى الشام، فقال: لا هجرة بعد الفتح، أو قال: بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن جهاد ونية، فانطلق فاعرض نفسك، فإن وجدت شيئاً وإلا رجعت.
قوله: (لم يكونوا في شيء من الدين)، أي: من أمر الدين لا من أمر الجهاد ولا من الهجرة، ولا من نصر المؤمنين ولامن ترك الكفار إرغاماً لهم، كأنه قيل: في أي أمر كنتم من أمور الدين؟ يعني: لو تركتم الجهاد والهجرة والنصرة، قالوا: تركنا ذلك؛ لأنا لم نتمن منها لضعفنا.
قوله: (والعوائق عن إقامة الدين لا تنحصر) جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، "وحقت": جواب "إذا". وقوله: "بلده" مُظهرٌ وُضع موضع المضمر الراجع إلى "بلد".