فإن قلت: كيف أدخل الولدان في جملة المستثنين من أهل الوعيد فكأنهم كانوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كيف أدخل الولدان في جملة المستثنين؟ ) تلخيصه: كيف أدخل الولدان في جملة الذين استثناهم من أهل الوعيد المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} إلى قوله: {فَأُوْلَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ}؟ فالاستثناء يوهم أن الولدان داخلون في الوعيد دخول الرجال والنساء إذا استطاعوا واهتدوا؟ فأجاب عن السؤال بوجوه ثلاثة: أحدها: أن الاستطاعة والاهتداء إنما يُتصور في الرجال والنساء؛ لأنهم قد يكونون مستطيعين ومهتدين، وقد لا يكونون، وأما الولدانُ فلايتصور فيهم ذلك؛ إذ العجز متمكن فيهم لا ينفك عنهم، فكانوا خارجين من جملتهم في الوعيد ضرورة، فإذا لم يدخلوا فيه لم يخرجوا بالاستثناء. ويتوجه على هذا التقرير سؤال وهو: أنهم إذا لم يخرجوا بالاستثناء كيف قرنهم في جملة المستثنين؟ قالوا في الجواب: إنما قرنهم بهم ليبين أنا لرجال والنساء الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، صاروا في انتفاء الذنب بمنزلة الولدان مبالغة؛ لأن المعطوف عليه يكتسب معنى المعطوف لمشاركتهما في الحكم، ويقرب منه ما ذكره في تفسير قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] في قراءة الجر، قال: "فعطفت الأرجل على الرؤوس لا لتمسح، لكنه لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها"، وقال أيضاً في قوله تعالى: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 181]: "جعل قتلهم الأنبياء قرينة لقولهم: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181] إيذاناً بأنهما في العظم أخوان، وبأن هذا ليس بأول ما ارتكبوه من العظائم".
وثانيها: أن الولدان وإن لم يكونوا داخلين حقيقة؛ فهم داخلون مجازاً، قال القاضي: إنما قرنهم بهم للمبالغة في الأمر والإشعار بأنهم على صدد وجوب الهجرة، فإنهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها، وأن أقوامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت.