نوع تفريط فيما يجب من الاحتياط والتحفظ فيه؛ حسم للأطماع وأي حسم؟ ولكن لا حياة لمن تنادي! فإن قلت: هل فيها دليلٌ على خلود من لم يتب من أهل الكبائر؟ قلت: ما أبين الدليل فيها، وهو تناول قوله: (وَمَنْ يَقْتُلْ) أي قاتل كان من مسلمٍ أو كافرٍ، تائبٍ أو غير تائبٍ، إلا أن التائب أخرجه الدليل، فمن ادعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولكن لا حياة لمن تنادي) أوله:
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا
قبله:
ونار لو نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد
قال أهل السنة: الله أكرم من أن يجمع من يوحده ومن يجحده في العذاب السرمد، وقد وعد بأنه يغفر ما دون الشرك، وإن رغم أنف من يتحجر الواسع!
قوله: (فليأت بدليل مثله). قال الإمام: هذه الآية مخصوصة في موضعين، أحدهما: أن يكون القتل العمد غير عدوان كما في القصاص، والثاني: أن يكون القتل العمد العدوان متداركاً بالتوبة، وإذا ثبت [دخول] التخصيص فيه في الصورتين بالاتفاق فنحن نخصص أيضاً فيما إذا حصل العفو، بدليل قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116] وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر: 53].
وقال القاضي: الجمهور أن هذه الآية مخصصة بمن لم يتب؛ لقوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه: 82] ونحوه، وهو عندنا إما مخصوص بالمستحل له كما ذكره عكرمة وغيره، وروى أنه نزل في مقيس بن صبابة وجد أخاه قتيلاً في بني النجار ولم يظهر قاتله، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعوا إليه ديته، فدفعوا إليه، ثم حمل على مسلم فقتله ورجع إلى مكة