فيه لما علم من مرض قلوبهم. (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا): أن تجعلوا من جملة المهتدين (مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ): من جعله من جملة الضلال وحكم عليه بذلك، أو خذله حتى ضلّ. وقرئ: (رَكَسَهم)، و (رُكِسوا فيها).

[(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (مَن جعَله مِن جُملةِ الضُّلاّل) مبنيُّ على تفسيرِ {أرّكَسَهُم} بقوله: "رَدَّهم في حُكم المشركين"، وقوله: "أو خَذَلَه حتَّى ضَلَّ" على تفسيرِه بقولهِ: أرّكَسَهُم} في الكُفر بأن خَذَلَهم"، فعلى الأول: {أرّكَسَهُم} مُطلق؛ ولذلك أدخَلَهم في زُمرةِ المشركين، وعلى الثاني: متعلقُهُ ما يُعْلَمُ من الإنكارِ في قولهِ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} أي: فِرقتَيْن، يقولون: أهم مؤمنونَ أم كافرون؟ ثم قولُه: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} إنكار بعدَ إنكار، وقولُه: {وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} تذييلٌ للتأكيد بقَلْعِ قاعدةِ بناءِ الاعتزالِ وبهَدْمِ بناءِ التفسيرين عليها، ألا ترى كيف أعادَ الاسمَ الجامعَ المفيدَ في هذا المقام معنى الجَبَروتِ مرَّتينِ وعدَلَ من خطابِ الجماعةِ إلى خطابِ العامِّ ليَدخُلَ فيه كلُّ من يتأَتَّى منهُ الوِجْدان، ومِن جُملتِهم الضُّلال! ونكَّر {سَبيلاً} أي: لا تجدُ أيُّها المخاطبُ أي سبيلٍ تريد بأي وجهٍ كان.

قوله: (ورُكِسوا فيها) يعني: في قوله تعالى: {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} [النساء: 91]، فإنه قُرئ هناك: "ورُكِسُوا فيها"، وإنما ذكره هاهنا لن كليهما بابُ الإفعال، وقُرِئ في القراءة الشاذة بالتفعيل مع أنهما من أصلٍ واحد، ولا يجوزُ أن يقال: قُرِئَ: "ورُكِسوا" فيها- أي: في هذه الآية - لفسادِ المعنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015