أي: ليحشرنكم إليه. والقيامة والقيام، كالطلابة والطلاب، وهي: قيامهم من القبور، أو قيامهم للحساب، قال اللَّه تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [المطففين: 6]. (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً)؛ لأنه عز وعلا صادق لا يجوز عليه الكذب؛ وذلك أنّ الكذب مستقل بصارفٍ عن الإقدام عليه وهو قبحه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: ليحشرنكم إليه)، قال أبو البقاء: (إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)، قيل: التقدير: في يوم القيامة، وقيل: هي على بابها، أي: ليجمعنكم من القبور، فعلى هذا يجوز أن يكون حالاً، أي: يجمعنكم مفضين إلى حساب يوم القيامة.
والمصنف ما ذهب إلى الحال ولا إلى التضمين؛ بل سلك فيه طرق المجاز بحسب مقتضى التركيب، فإن القسم في قوله: ((والله ليجمعنكم إلى يوم القيامة)) يوجب اضطرار الناس إلى أن يجتمعوا فيه، وهو معنى ((ليحشرنكم إليه)) أي: يضطركم إلى المحشر، قال في ((الأساس)): حشرت السنة الناس: أهبطتهم إلى الأمصار.
قوله: (لأنه عز وعلا صادقٌ) تعليلٌ لمعنى المبالغة الذي يعطيه قوله: (ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)، وذلك من تخصيص اسمه الجامع، و ((من)) الاستفهامية وبناء أفعل لمطلق الزيادة، يعني أن من اسمه الله كيف يجوز عليه الكذب؟ لأنه كاملٌ في ذاته منزهٌ عن النقائص، والكذب نقيصةٌ فبينهما تناف.
قوله: (مستقلٌّ بصارف). قال الجوهري: يقال: أقل الجرة: أطاق حملها. النهاية: وفي حديث العباس: ((فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع)). يقال: أقل الشيء يقله: إذا رفعه وحمله، وقال: الاستقلال بمعنى الارتفاع والاستبداد، فقوله: ((مستقلٌّ بصارف)) أي: مستبدٌّ بما يصرف القائل عن الإقدام عليه وهو قبحه، أي: قبحه وحده يصرف الكذاب عن التكلم به.