قال: (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إن أفردوك وتركوك وحدك (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ): غير نفسك وحدها أن تقدّمها إلى الجهاد، فإنّ اللَّه هو ناصرك لا الجنود، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف. وقيل: دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج، وكان أبو سفيان واعد رسول اللَّه اللقاء فيها، فكره بعض الناس أن يخرجوا؛ فنزلت، فخرج وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد، ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده. وقرئ: (لا تكلف) بالجزم على النهي، و (لا نكلف) بالنون وكسر اللام، أي: لا نكلف نحن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضمن له النصر، وروي عن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه في الردة قال: لو خالفتني يميني جاهدتها بشمالي.

الراغب: إن قيل: كيف قال: (لا تُكَلَّفُ إلاَّ نَفْسَكَ) وقد بعث لتكليف الناس؟ قيل: لم يعن بالتكليف الاستدعاء الذي رشح له؛ بل للتحريض وتحريض الناس على الخروج معه، ألا ترى أنه قال: (وحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ)؟ وهذه الآية تقتضي أن على الإنسان أن لا يني في نصرة الحق وإن تفرد. وقال بعض العارفين: من طلب رفيقاً في سلوك طريق الحق فلقلة يقينه وسوء معرفته، فالمحقق للسعادة والعارف بالطريق إليها لا يعرج على رفيقٍ ولا يبالي بطول طريق، فمن خطب الحسناء لم يغله المهر.

قوله: (غير نفسك وحدها) لم يرد به أن ((إلا)) هنا بمعنى: غير؛ بل إنها من الاستثناء المفرغ وفيه معنى الحصر؛ ولهذا أكده بقوله: ((وحدها)) أي: لا تكلف شيئاً إلا أن تقدم نفسك إلى الجهاد، وقوله: ((أن تقدمها للجهاد)) بيانٌ لقوله: ((غير نفسك)).

قوله: (لم يلو على أحد). الأساس: ومر لا يلوي على أحد: لا يقيم عليه ولا ينتظره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015