لما ذكر في الآي قبلها تثبطهم عن القتال، وإظهارهم الطاعة وإضمارهم خلافها؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بشيءٍ خاص، وفيه وجهان، الأول: وهو قول جماعة من المفسرين: إن المراد بفضل الله ورحمته إنزال القرآن وبعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، المعنى: لولا بعثة محمدٍ وإنزال القرآن لاتبعتم الشيطان وكفرتم بالله إلا القليل منكم، فإنهم ما تبعوا الشيطان وما كفروا، مثل قس ابن ساعدة وورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل. وثانيهما: ما ذكر أبو مسلم، وهو أن المراد بفضل الله ورحمته النصرة والمعونة، المعنى: لولا حصول النصرة والظفر على سبيل التتابع لاتبعتم الشيطان وتركتم الدين إلا القليل منكم، وهم أهل البصائر النافذة والعزائم المتمكنة من أفاضل المؤمنين الذين يعلمون أنه ليس من شرط كون الدين حقًّا حصول الدولة في الدنيا، أو باطلاً الانكسار والانهزام؛ بل مدار الأمر في كونه حقًّا أو باطلاً على الدليل. وهذا أحسن الوجوه وأقربها إلى التحقيق.

وقلت: يشهد للقول الأول من هذين القولين قوله تعالى: (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ) [النساء: 80] وقوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ)، وللقول الثاني قوله تعالى: (وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ)، وبعده: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إلاَّ نَفْسَكَ). وأما كلام المصنف فلا يمكن تصحيحه لتقييده بالتوفيق.

قوله: (لما ذكر في الآي قبلها تثبيطهم عن القتال) وهي قوله تعالى: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ) [النساء: 77] الآيات، وسبيل هذه الآية والفاء في (فَقَاتِلْ) مع الآيات السابقة سبيل الفاء في قوله: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ) [النساء: 74] مع ما قبله، وهو قوله تعالى: (وإنَّ مِنكُمْ لَمَنْ لَّيُبَطِّئَنَّ ... ) الآية [النساء: 2]، لكن هذا الخطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك مع المؤمنين كما سبق. وقال الزجاج: الفاء في (فَقَاتِلْ) جواب قوله: (ومَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الآية [النساء: 4]، ويجوز أن يكون متصلاً بقوله تعالى: (ومَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [النساء: 5] أي: أي شيءٍ لكم في ترك القتال؟ (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، فأمره بالجهاد ولو قاتل وحده؛ لأنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015