للأمور، كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أمنٍ وسلامة، أو خوفٍ وخللٍ (أَذاعُوا بِهِ)، وكانت إذاعتهم مفسدة. ولو ردوا ذلك الخبر إلى رسول اللَّه وإلى أولي الأمر منهم وهم كبار الصحابة البصراء بالأمور، أو الذين كانوا يؤمرون منهم؛ (لَعَلِمَهُ): لعلم تدبير ما أخبروا به (الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ): الذين يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم، ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها. وقيل: كانوا يقفون من رسول اللَّه وأولي الأمر على أمنٍ ووثوقٍ بالظهور على بعض الأعداء، أو على خوف واستشعارٍ فيذيعونه، فينتشر فيبلغ الأعداء، فتعود إذاعتهم مفسدة. (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر) وفوّضوه إليهم، وكانوا كأن لم يسمعوا، لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون فيه؟ وقيل: كانوا يسمعون من أفواه المنافقين شيئاً من الخبر عن السرايا مظنوناً غير معلوم الصحة فيذيعونه، فيعود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تخلصاً إليه؛ لأن الشفاعة الحسنة: هي التي روعي بها حقٌّ، ودفع بها شرٌّ، وجلب خير، (واللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب: 4].
قوله: (أو الذين كانوا يؤمرون منهم) عطفٌ على قوله: ((كبراء الصحابة)) أي: علماؤهم المجتهدون منهم، والوجهان مبنيان على تفسير قوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء: 59] على ما سبق.
قوله: ((الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ): الذين يستخرجون تدبيره). الراغب: الاستنباط: خرج الشيء من أصله كاستنباط الماء من البئر، والجوهر من المعدن، وذلك كالإثارة في خرج التراب، واستعير للحديث، ومنه النبط، لاستنباطهم الأرض وعمارتها، والآية تقتضي أن لا يقدم الإنسان على ما لا يتحقق جواز الإقدام عليه، ولا يقول إلا عن بصيرة، وعلى ذلك قوله تعالى: (ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء: 36].
قوله: (وقيل: كانوا يسمعون من أفواه المنافقين) عطفٌ على قوله: ((وقيل: كانوا يقفون