وبعضه دالاً على معنى فاسدٍ غير ملتئم، فلما تجاوب كله بلاغة معجزةً فائتةً لقوى البلغاء، وتناصر صحة معانٍ وصدق إخبار، علم أنه ليس إلا من عند قادر على ما لا يقدر عليه غيره، عالم بما لا يعلمه أحد سواه. فإن قلت: أليس نحو قوله: (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) [الأعراف: 107]، (كَأَنَّها جَانٌّ) [النمل: 10]؛ (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر: 92]، (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) [الرحمن: 39]؛ من الاختلاف؟ قلت: ليس باختلافٍ عند المتدبرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ليس باختلافٍ عند المتدبرين). قال على الأول: إن العصا كانت عند انقلابها حيةً صغيرةً، ثم تزايد جرمها حتى صارت ثعباناً، فالجان أول حالها والثعبان مآلها، أو كانت في شخص الثعبان وسرعة حركة الجان. وعلى الثاني: إن يوم القيامة يومٌ طويل، وفيه مواطن، فيسألون في مواطن ولا يسألون في أخر.

الراغب: إن للإنسان هاديين: الشرع والعقل، أحدهما أصلٌ للآخر، فبين تعالى أن الذي أتاكم به من الشرع لو كان من عند غير الله لكان مقتضى العقل يخالفه، فلما لم يوجد بينه وبين العقل منافاةٌ علم أنه من عند الله، فإن قيل: فقد ورد في الشرع أشياء يقتضي العقل خلافها، قيل: كلا، فإن جميع ما ورد به الشرع لا ينفك من وجهين: إما شيءٌ يحكم به العقل لكونه حسناً، مثل: الاشتغال بعبادة الرب مطلقاً، أو يكون غير مهتدٍ إلى معرفته لا أنه يستقبحه، فبين الشرع حسنه، وذلك كأعداد الصلوات وهيئاتها وأركانها في كونها عبادةً على وجهٍ دون وجه، وأما أن يأتي الشرع بشيءٍ قد قضى العقل بكونه قبيحاً فليس بموجود، وبعض الناس يصور أشياء ينفر الطبع منها، كعاداتٍ جارية أو اعتقاداتٍ فاسدة؛ وذلك أنهم لم يفرقوا بينه وبين حكم العقل، وظنوا أن حكم العقل حكمٌ بضد الشرع كذبح البهائم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015