ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الله تعالى من الشرك ظاهراً، ثم وبخهم وعنفهم حيث رتب عليه بالفاء قوله: (فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا)، وجاء باسم الإشارة تحقيراً، وخص الفقه بالذكر تسجيلاً عليهم بعدم الفطنة، أي: فما لهؤلاء الجهلة لا يفطنون ما يتفوهون من لزوم تعدد الخالق المستلزم للشرك المؤدي إلى فساد العالم، ثم استؤنف بما هو حقيقة الجواب قائلاً: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) على الخطاب العام، ليدخلوا فيه دخولاً أوليًّا مشتملاً على نوعٍ من الالتفات، أخبر عنهم أولاً على سبيل الغيبة في قوله: (وإن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا)، ثم جعلهم كالحاضرين المشاهدين في قوله تعالى: (فَمَالِ هَؤُلاءِ) نعياً عليهم سوء مقالتهم إلى غيرهم، ثم صيرهم كالمخاطبين في قوله: (مَا أَصَابَكَ) مزيداً للتوبيخ على ما نسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إضافة الشؤم إليه، وأبرز الجواب على صورة القول بالموجب، قرر أولاً ما أرادوا من قولهم، ثم كر إلى إبطاله وقلعه من سنخه، أي: صدقت أيها القائل فيما قلت: هذه من عند الله، لكن كذبت فيما زعمت: هذه من عندك؛ بل هو من شؤم نفسك الخبيثة وتكذيبك الحق الجلي بقولك: إن محمداً ليس بمبعوثٍ إلى الكل، وإن بعثته مختصةٌ بالعرب، فظهر من هذا التقرير اختلاف جهتي نفي المشيئة وإثباتها من حيث الإيجاد والسبب، وإلى الأول يلمح قوله: ((فرد الله عليهم بقوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ) يبسط الأرزاق ويقبضها)) وإلى الثاني بقوله: ((لأنك السبب فيها)).

ولما فرغ سبحانه وتعالى من رد القوم في الأمرين؛ شرع يسلي حبيبه صلوات الله عليه وسلامه مما أضافوا إليه من أن السيئة بسببك ومن قولهم: إنك لست بمبعوثٍ إلى الكل بقوله: (وأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً)، فإنه دل بعبارة النص على ما قال المصنف: ((لست برسول العرب وحدهم، أنت رسول العرب والعجم))، ودل بإشارته بواسطة لفظ الإرسال والعموم وإيثار صيغة التعظيم وخطاب الرسول على معنى قوله تعالى: (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، يعني: كيف يتصور فيه السوء؟ وإنه رحمةٌ مهداةٌ للعالمين. وكفى بقوله تعالى: (وكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) على إرادة التسلي، والله تعالى أعلم بمراده من كلامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015