ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

آت، وأنه لولاه لما حصل منها شيء، وعلى هذا قول عليٍّ رضي الله تعالى عنه: لا تخش إلا ذنبك، ولا ترج إلا ربك، وقال القاضي: الآيتان كما ترى لا حجة لنا فيهما ولا للمعتزلة.

وأما الإمام فقد أطنب فيه كل الإطناب بتعديد الأقوال والتراجيح، فاختار منها العموم، قال: قوله: (وإن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ) يفيد العموم في كل الحسنات من النعم والطاعات، (وإن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) يفيد العموم في كل السيئات من البلايا والمعاصي، ثم قوله: (قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ) صريحٌ في أن الجميع من الله، فكانت الآية دالةً على أن جميع الطاعات والمعاصي من الله تعالى وهو المطلوب.

وما اختاره المصنف من اختصاصهما بالنعمة والبلية أولى، والمقام له أدعى، لا سيما سبب النزول، ولفظة الإصابة إنما تستعمل فيما ذكر شائعاً ذائعاً، وفي الطاعة والمعصية نادراً، لكن يشكل بما أنه تعالى إنما نفى أن تكون الحسنة والسيئة المخصوصتان من عند غيره بقوله: (قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ)، ثم أثبت أن تلك الحسنة من الله والسيئة من نفس العبد، والتقصي منه إنما يحصل ببيان فائدة ذكر (عِندِ)، والتمييز بلفظة (هَذِهِ)، وليست إلا لاستقلال الاستناد، كأنه قيل: ليست هذه السيئة المشخصة إلا من تلقاء نفسك ومن قبلك، وليس لله تعالى فيها قضاءٌ ولا قدر، ونحوه قوله: (وعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) [الكهف: 65]، أي: بغير واسطة تعليم معلم، قال في قوله تعالى: (حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة: 109]: ((تمنيهم ذلك من عند أنفسهم، ومن قبل شهواتهم، ولا من قبل التدين والميل مع الحق))، ألا ترى كيف أثبت ونفى، وكان يلزم منه تعدد الخالق كمذهب المجوس؟

ولما لم يكن قصد اليهود في الإيراد هذا- بل ما ذكره المصنف من قوله: ((أضافوها إليك وقالوا: هي من عندك وما كانت إلا بشؤمك)) لكن لزم منه ذلك- رد الله تعالى عليهم بقوله: (قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ) هذا المؤدي اللازم أولاً، لكونه أهم؛ لأنه ذبٌّ عما يلزم نسبته إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015