ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الآية: إذا أريد بالحسنة والسيئة في الآية الثانية غير الذي أريد بهما في الآية الأولى. وقلت: ويمكن أن يقال: لما عقب (وإن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) بقوله: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ المَوْتُ) ناسب أن تحمل الحسنة الأولى على النعمة، والسيئة على البلية، ولما أردف قوله: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) بقوله: (وأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) ناسب أن يحملا على ما يتعلق بالتكليف من المعصية والطاعة؛ ولذلك غير العبارة في قوله: (وإن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) وقوله: (مَا أَصَابَكَ).

قال الراغب: فإن قيل: ما الفرق بين قولك: هذا من عند الله، وهذا من الله؛ حتى قال في الأول: (قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ) وقال في الثاني: (فَمِنَ اللَّهِ)؟ قيل: إن قوله: من عند الله أعم؛ فإنه قد يقال فيما كان يرضاه ويسخطه، وفيما يحصل، وقد أمر به ونهى، ولا يقال: هو من الله إلا فيما يرضاه ويأمره، وبهذا النظر قال عمر رضي الله عنه: إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن الشيطان. فالنفس المذكورة في قوله تعالى: (إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف: 53]، ومقتضى الآية كقوله: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا) [القصص: 89]، وقوله: (ومَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) الآية: [القصص: 90].

فإن قيل: إذا كان معنى الآية على ما ذكرت في أنه أريد به الثواب والعقاب؛ فهلا قال: ما أصابك من حسنة وسيئة فمن نفسك، إذا كان مقتضى ثوابه وعقابه فعل العبد؟ قيل: إنما نسب الله تعالى الحسنة إلى نفسه في الثواب تنبيهاً على أنه سبب الخيرات، ولولاه لما حصل بوجهٍ، فإنه يكسبه العبد بإرادةٍ من الله تعالى وأمرٍ وحثٍّ وتوفي، وأما السيئة وإن كانت بإرادةٍ من الله تعالى فليس بأمرٍ منه ولا حثٍّ ولا توفي، ومع ذك أدب بذلك عباده يراعوا فيما ينالهم من نعمته عليهم وينسبوا الحسنات إليه ويعملوا أنه سبب كل خيرٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015