يقاتلون في سبيل اللَّه، فهو وليهم وناصرهم، وأعداؤهم يقاتلون في سبيل الشيطان فلا وليّ لهم إلا الشيطان، وكيد الشيطان للمؤمنين إلى جنب كيد اللَّه للكافرين أضعف شيءٍ وأوهنه.

[(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)].

(كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)، أي: كفوها عن القتال؛ وذلك أن المسلمين كانوا مكفوفين عن مقاتلة الكفار ما داموا بمكة، وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه، (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) بالمدينة كع فريق منهم؛ لا شكا في الدين، ولا رغبة عنه، ولكن نفوراً من الإخطار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (كع فريقٌ). النهاية: يقال: كع الرجل عن الشيء يكع كعًّا، فهو كاعٌّ: إذا جبن عنه وأحجم، فإن قلت: هذا يدل على أن فريقاً ممن كانوا يتمنون أن يؤذن لهم في القتال ما جبنوا، بل ثبتوا وقضوا ما كان عليهم، وشكر الله سعيهم، فإذاً ما معنى التوبيخ والتعجب في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)؟ كأنهم كانوا متجاوزين حد ما أمروا به مثل أولئك الفريق! قلت: نعم؛ إنما دخلوا في حكم أولئك لأنهم شاركوهم في طلب ما كفوا عنه، ودخلوا في زمرة الذين قيل فيهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ) [الحجرات: 1]، وإنما ذكر الفرقة التي جبنت دون الأخرى للتعيير، وأنهم ما وفوا بما تمنوا من طلبتهم وترك الممتثلين بما كتب عليهم؛ لأنهم وإن أخطؤوا في ذلك التمني، لكنهم صدقوا في ما عزم عليهم من القتال، فالأولون أخطؤوا خطأين، وهؤلاء خطأً واحداً.

والفاء في (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ) فصيحةٌ؛ إذ التقدير: (أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ)، كيف تمنوا القتال؟ فلما كتب عليهم القتال جبن فريقٌ منهم، وإليه الإشارة بقوله: ((وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم)). وفي صلة الموصول- أعني قوله: (أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ) - معنى قوله: (لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ) [الكافرون: 6]، ولذلك قال: ((كانوا مكفوفين عن قتال الكفار ما داموا بمكة)).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015