لأنه صفتها، وذكر؛ لإسناده إلى الأهل، كما تقول: من هذه القرية التي ظلم أهلها، ولو أُنث فقيل: الظالمة أهلها؛ لجاز، لا لتأنيث الموصوف، ولكن لأن الأهل يذكر ويؤنث. فإن قلت: هل يجوز: من هذه القرية الظالمين أهلها؟ قلت: نعم، كما تقول: "التي ظلموا أهلها" على لغة من يقول: أكلونى البراغيث، ومنه: (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء: 3] رغب اللَّه المؤمنين ترغيباً، وشجعهم تشجيعاً بإخبارهم أنهم إنما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، والتثنية والجمع والإفراد، والإعراب، وإذا كانت فعلاً لما هو من سببه لم تتبعه إلا في التعريف والتنكير والإعراب، فلما كان الظالم صفةً للقرية، وفعل ما هو من سببها؛ تبعته في الإعراب والتعريف ولم تتبعه في التأنيث، وذكر لتذكير الفاعل وهو الأصل.

الانتصاف: ها هنا نكتة؛ وهي أن الظلم ينسب في القرآن إلى القرية مجازاً: (وكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ) [الطلاق: 8]، (وكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ) [القصص: 58]، (قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَاتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ) [النحل: 112]، وها هنا نسب الظلم إلى أهلها؛ إذ المراد مكة، فرفعت عن نسبة الظلم إليها.

قوله: (رغب الله المؤمنين ترغيباً وشجعهم تشجيعاً) وذلك من ترتب حكم المقاتلة في قوله: (فَقَاتِلُوا) على الوصفين، أعني قوله: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، وقوله: (والَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ)، أي: من شأن المؤمنين أن يقاتلوا في سبيل الله فيكون الله ناصرهم ومقويهم، ومن شأن الكفار أن يقاتلوا في سبيل الشيطان فناصرهم الشيطان، وإذا كان كذلك فأنتم أيها المؤمنون ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله، وفي شأن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان؟ ولم تقاعدتم عن حرب حزب الشيطان مع قيام موجب الظفر وخذلان العدو؟ وفي وضع المظهر- وهو الشيطان- موضع المضمر من غير لفظه السابق وهو الطاغوت، وتعليل المقاتلة معه بقوله: (إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا): مزيد تهييجٍ وتشجيع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015