بالإخلاص، وبالغوا في الاعتذار إليك من إيذائك بردّ قضائك حتى انتصبت شفيعاً لهم إلى اللَّه ومستغفراً؛ (لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً) لعلموه تواباً، أي: لتاب عليهم. ولم يقل: واستغفرت لهم، وعدل عنه إلى طريقة الالتفات، تفخيماً لشأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتعظيماً لاستغفاره، وتنبيهاً على أن شفاعة من اسمه الرسول من اللَّه بمكان. (فَلا وَرَبِّكَ) معناه: فو ربك، كقوله تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ) [الحجر: 92]، و «لا» مزيدة لتأكيد معنى القسم، كما زيدت في: (لِئَلَّا يَعْلَمَ) [الحديد: 29]؛ لتأكيد وجود العلم. و (لا يُؤْمِنُونَ): جواب القسم. فإن قلت: هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر "لا" في (لا يُؤْمِنُونَ)؟ قلت: يأبى ذلك استواء النفي والإثبات فيه؛ وذلك قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونصلته تنصيلاً، ومن المجاز: نصل بحقي صاغراً: أخرجه، وتنصل من ذنبه، وفي الحديث: ((من لم يقبل من متنصلٍ صادقاً أو كاذباً لم يرد على الحوض)).
قوله: (يأبى ذلك استواء النفي والإثبات) يريد أن ((لا)) في: (فَلا ورَبِّكَ) جاءت لتوكيد معنى القسم، لا لتوافق ((لا)) في (لا يُؤْمِنُونَ)؛ لأن إثبات ((لا)) في القسم، سواءٌ كان الجواب منفيًّا أو مثبتاً جائز، فإن قوله تعالى: (إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [الحاقة: 40] مثبت، وقد جيء بالقسم مؤكداً ب ((لا)) في قوله: (فَلا أُقْسِمُ)، فلو كان للتظاهر لما جاءت في المثبت، قال صاحب ((التقريب)): وفيه نظر؛ إذ يحتمل أن يقال: إنه تأكيد النفي في المنفي فقط، بل وجه المنع أن ((لا)) حينئذٍ تتمة الجواب، فيلزم الفصل بين أجزاء الجواب بالجملة القسمية، فيقال: إن القسم لما اتحد مع الجواب اتحاد المفرد في قوله تعالى: (وإنَّ مِنكُمْ لَمَنْ لَّيُبَطِّئَنَّ) [النساء: 72] حتى اكتفى الجواب في إيقاعه صلةً للموصول اغتفر الفصل فيه، قال أبو البقاء: فيه وجهان، أحدهما: أن الأولى زائدة، وقيل: إن الثانية زائدة، والقسم معترضٌ بين النفي والمنفي، وثانيهما: أن ((لا)) لنفي مقدر، أي: فلا يفعلون، ثم قال: (فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ).