(جاؤُكَ) تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا، (فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ) من ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكانته، وفي قوله: ((إلى طريقة الالتفات)) إشعارٌ بأن هذا الأسلوب- وهو وضع المظهر موضع المضمر- من وادي الالتفات، وليس بالالتفات حقيقةً، كما دل وضع الرسول مكان ضميره على فخامة شفاعة الرسول؛ دل وضع اسم الله الجامع في قوله: (لَوَجَدُوا اللَّهَ) موضع ضميره، بحسب تجليه في هذا المقام على فخامة قبولها من جانب الله تعالى، قال في قوله تعالى: (ومَن تَابَ وعَمِلَ صَالِحًا فَإنَّهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ مَتَابًا) [الفرقان: 71] أي: ((فإنه تائبٌ إلى الله تعالى الذي يعرف حق التائبين، والذي يحب التوابين ويحب المتطهرين)).
قوله: ((جَاءُوكَ) تائبين من النفاق) إلى قوله: (فاستغفروا): إذنٌ بأن ما بعد الفاء في (فَاسْتَغْفَرُوا) إما مسببٌ عن محذوف، وهو حالٌ عن فاعل (جَاءُوكَ)، أو متعقبٌ له؛ فعلى الأول الاستغفار غير التوبة، وعلى الثاني عينها كما في قوله تعالى: (فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [البقرة: 54].
الراغب: استغفار الإنسان وتوبته يمكن أن يقال: هما في الحقيقة واحدٌ لكن اختلافهما بحسب اعتبارهما بغيرهما، فالاستغفار يقال إذا استعمل في الفزع إلى الله تعالى وطلب الغفران منه، والتوبة تقال إذا اعتبر بترك العبد ما لا يجوز فعله وفعل ما يجب، ولا يكون الإنسان طالباً في الحقيقة لغفران الله تعالى إلا بإتيان الواجبات وترك المحظورات، ولا يكون تائباً إلا إذا حصل على هذه الحالة. ويمكن أن يقال: الاستغفار مبدأ التوبة والتوبة تمام الاستغفار؛ ولهذا قال تعالى: (واسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ) [هود: 90].
فإن قلت: هذا مخالفٌ لما ذهبت إليه أن الاستغفار متعقبٌ للتوبة. قلت: إذا اعتبر في التوبة الندم فقط فلا شك بتقدمها، وإذا اعتبر فيها المجموع لابد من تأخرها، وأما معنى ثم في قوله: (ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ) فلتفاوت الرتبة.
قوله: (متنصلين). الأساس: أنصلت السهم: نزعت نصله، ونصلته: ركبت نصله،