(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ* وَما لا تُبْصِرُونَ* إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [الحاقة: 38 - 40]. (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ): فيما اختلف بينهم واختلط، ومنه: الشجر؛ لتداخل أغصانه. (حَرَجاً): ضيقاً، أي: لا تضيق صدورهم من حكمك، وقيل: شكاً، لأنّ الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين. (وَيُسَلِّمُوا): وينقادوا ويذعنوا لما تأتي به من قضائك، لا يعارضوه بشيء، من قولك: سلم الأمر للَّه، وأسلم له، وحقيقة "سلم نفسه وأسلمها": إذا جعلها سالمة له خالصة. و (تَسْلِيماً): تأكيد للفعل بمنزلة تكريره،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الانتصاف: أراد الزمخشري أنها لما زيدت حيث لا يكون القسم نفياً دلت على أنها إنما تزاد لتأكيد القسم؛ فجعلت كذلك في النفي، والظاهر عندي أنها هنا لتوطئة القسم، وهو لم يذكر مانعاً منه؛ إنما ذكر مجملاً لغير هذا، وذلك لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر من التوطئة، على أن دخولها على المثبت فيه نظر، فلم يأت في الكتاب العزيز إلا مع القسم بالفعل: (لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ) [البلد: 1]، (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ) [القيامة: 1]، (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة: 75]، (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ) [الحاقة: 38]، ولم يأت إلا في القسم بغير الله، وله سرٌّ ثانٍ: أن يكون ها هنا لتأكيد القسم، وذلك أن المراد بها تعظيم المقسم به في الآيات المذكورة؛ فكأنه بدخولها يقول: إعظامي لهذه الأشياء المقسم بها كلا إعظام؛ إذ هي تستوجب فوق ذلك، وإنما يذكر هذا التوهم وقوع عدم تعظيمها فيؤكد بذلك ويفعل القسم ظاهراً، وفي القسم بالله الوهم زائلٌ فلا يحتاج إلى تأكيد، فتعين حملها على الموطئة، ولا تكاد تجدها في غير الكتاب العزيز داخلةً على قسمٍ مثبت، أما في النفي فكثير.

قوله: (وحقيقة سلم نفسه له) يعني: ((سلم)) متعدٍّ إلى مفعولين أحدهما: بالواسطة، والآخر: بغير واسطة، فحذف الأول للإطلاق، والثاني لقرينة الكلام، ولذلك قدر ((ويذعنوا لما تأتي به من قضائك)).

قوله: (و (تَسْلِيمًا): تأكيدٌ للفعل بمنزلة تكريره). قال الزجاج: المصادر المؤكدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015