فإن قلت: لم كان نكاح الأمة منحطًّا عن نكاح الحرة؟ قلت: لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها، ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة، وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة، والعزة من صفات المؤمنين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة: 5]، ولا مانع من الثاني، فوجب الحمل على التخصيص.
وقال بعض الحنفية: فائدة تعليق الجواز بهذا الشرط مع أن النكاح يجوز بدونه: هي كراهة نكاح الأمة حال طول الحرة، قال: فإن نكاح الأمة وإن جاز حال الطول لكن المستحب لمن قدر على تزوج الحرة أن لا يتزوج الأمة، ويكره له ذلك؛ إذ هو شرط خرج على وفاق العادة لقوله تعالى: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) [النور: 33]، (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) [النساء: 101]، (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ) [النساء: 23]، وذلك أن الرجل لا يتزوج الأمة في الغالب إلا عند العجز عن نكاح الحرة، ويستنكف عن ذلك، فأخرج الله تعالى هذا الكلام على وفاق العادة.
وقلت: بل الظاهر أن الوصف جار على المدح، وفيه تنبيه على تحري الأصوب فالأصوب وتوخي الأكمل والأفضل؛ وذلك أنه تعالى لما بين المحرمات من النساء وذكر منهن المحصنات من النساء، وكانت مطلقة محتملة للمؤمنات والكتابيات، أتبعه قوله: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) الآية، يعني: الإيمان هو المطلوب الأولي، فطالبه طالب النسل للمعرفة والعبادة، وطالب مجرد قضاء الشهوة مذموم، فعليكم بالإيمان حيث كان، إلا أن الحاكم الاضطرار إلى قضاء الشهوة؛ فلا ينبغي التجاوز عن المنصوص عليها في نحو قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) [المائدة: 5]، والذي يؤيد أن هذه الصفة جارية على المدح قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [النساء: 25]، وتفسيره: "وحق المؤمنين ألا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب".